الرئيسية - المكتبة العلمية - علوم متنوعة:

نظرية ميكانيكا الكم

نظرية ميكانيكا الكم ميدانٌ من ميادين علم الفيزياء، يصف تركيب الذرّة وحركة الجسيمات الذرية، ويوضح كذلك كيف تمتص الذرات الطاقة في شكل ضوء، وكيف تطلقها، ويوضح طبيعة الضوء.

 

تمضي ميكانيكا الكم إلى ما يتجاوز الحدود القصوى للفيزياء التقليدية، التي تقوم على أساس القوانين التي صاغها العالم الإنجليزي السير إسحق نيوتن. وهي تُعد من المُنجَزَات العلمية الكبرى التي تحققت في القرن العشرين. وبالإضافة إلى أهميتها النظرية، فقد ساهمت في تطوير أجهزة عملية مثل أجهزة الليزر والترانزستور، كما مكنت العلماء من تحقيق فهم أفضل للروابط والتفاعلات الكيميائية.

 

فهم ميكانيكا الكم

تتحرك في الذرة جسيماتٌ صغيرةٌ ذاتُ شحنة كهربائية سالبة. ويُطلق على هذه الجسيمات الإلكترونات وتتحرك في مدارات حول نواة ذات شحنة موجبة. وتوضح ميكانيكا الكم أن الإلكترونات لايمكنها التحرك إلا في مدارات بعينها، وكلّ مدار يدعى المدار المُكمَّى وله قيمة معينة من الطاقة. وعندما يكون إلكترون ما في مدار محدد فإنه يوجد في مستوى بعينه من مستويات الطاقة، ولايطلق الطاقة أو يمتصها. ويظل الإلكترون في هذه الحالة العادية، طالما أن ذرته على حالها، ولكن إذا ما أثرت قوى خارجية على هذه الذرة، فإن الإلكترون يمكن أن يتغير متنقلاً إلى مدار مكمّى آخر.

 

وعندما يقفز الإلكترون من مدار ذي طاقة أعلى إلى مدار ذي طاقة أقل، فإنه يطلق الطاقة على شكل ضوء، وهذا الضوء يُطلق في صورة حزمة صغيرة من الطاقة تدعى كوانتم أو فوتون. وتساوي طاقة الفوتون هذه الفرق في الطاقة بين المدارين اللذين حدث القفز من أحدهما إلى الآخر. والإلكترون يمكنه كذلك أن يمتص فوتوناً، ويقفز من مدار ذي طاقة أدنى إلى مدار ذي طاقة أعلى. وبهذه الطريقة فإن ميكانيكا الكم توضح العملية التي من خلالها تُطلق الذرة فوتونات الضوء وتمتصها.

 

كان العلماء في السابق يعتقدون أن الضوء موجةٌ تنبعث على شكل دفقٍ متواصل، ولكننا الآن نعرف أن للضوء خواصّ كل من الجسيمات (الفوتونات) والموجات. وللفوتون طاقة تتناسب مع تردد الموجات؛ أي مع عدد الذبذبات في الثانية.

 

يشكل الضوء الصافي خطًّا طيفيًا واحدًا، يمثل ترددًا أو لوناً معيناً. وتطلق ذرات عنصر كيميائي ما موجات ذات ترددات واسعة النطاق لإنتاج العديد من الخطوط المختلفة. وتشكل هذه السلسلة من الخطوط طيف العنصر الكيميائي، الذي يختلف عن طيف أي عنصر آخر. ويمكن باستخدام ميكانيكا الكم تقدير ترددات خيوط طيف أي عنصر.

وتوضح ميكانيكا الكم أن الإلكترونات وغيرها من الجسيمات الذرية للمادة مرتبطة بالموجات كذلك. وهذه الموجات التي تسمى موجات المادة لها أطوال موجية محددة. والطول الموجي يتناسب في كل الأحوال مع تردد الموجات ومع كمية حركة الجسيمات. وهذه الكمية تُحسب بضرب كتلة الجسيمات في سرعتها.

 

وتقدم موجات المادة تفسيراً لترتيب الإلكترونات في مدارات منفصلة. فعندما يكون إلكترون بعيداً عن المؤثرات الخارجية فإن موجته تتطابق حول نواة الذرة على مسافة تتيح لهذه الموجة أن تلاحق نفسها دون صعوبة. وإلكترونات الذرة الواحدة لها موجات ذات أطوال موجية مختلفة. وهذه الإلكترونات تُشكل مدارات على مسافات متباينة من النواة.

ويعد مبدأ الريبة من الأفكار الأساسية الأخرى في ميكانيكا الكم. ووفقاً لهذا المبدأ فإن وضع جسيم ما وسرعته لايمكن قياسهما بدقة على نحو متزامن. وهذا المبدأ صحيح، لأن الجسيم له خواص موجية معينة. وبالإضافة إلى ذلك فإن الطريقة المستخدمة لتحديد وضع الجسيم وسرعته لاتسمح بدقة لاحدود لها. فعلى سبيل المثال يتعين على الفيزيائيين (علماء الطبيعة) للقيام بمثل هذه القياسات إطلاق الفوتونات على الجسيم لرؤيته. ولكن هذه الفوتونات تصطدم بالجسيم ولذا فإنها تؤثر على وضعه وسرعته. ونتيجة لذلك فإن الفيزيائيين لايمكنهم قياس خواص الأجسام إلا ببعض الدقة ولكن ليس بالضبط تماماً.

 

النظرية الكمومية حسب التصور الموجي

لا تقوم صياغات الميكانيك الكمومي بتقديم قياسات دقيقة لخواص الجسيمات المرصودة بل تعطي تنبؤات أي توزيعات احتمالية لجميع القيم التي يمكن أن تأخذها خاصية معينة للجسيم، فالحالة الكمومية للجسيم تتضمن احتمالات لخواصه القابلة للقياس : مثل الموضع ، العزم ، الطاقة ، العزم الزاوي . هذه الخواص يمكن أن تشكل بقيمها توابع مستمرة مثل الموضع ويمكن أن تشكل توابع متقطعة مثل الطاقة. بهذا لا يعطيك ميكانيك الكم الموقع الدقيق لجسيم انما يعطيك احتمال وجوده في أي نقطة من الفضاء حيث يحدد مسارات يكون فيها تواجد الجسيم أعظميا ( أي احتماليته أعظم من غيره ) لكنه لا يلغي إمكانية وجوده في أي نقطة من الفراغ ويمكنك قول نفس الكلام بخصوص جميع الخواص الأخرى.

 

لكن تبقى هناك حالات معينة تتضمن تحديد قيم دقيقة لبعض الخواص, تدعى هذه الحالات بالحالات الخاصة.

لنفترض وجود جسيم غير مقيد حر الحركة، مما يعني إمكانية تمثيل حالته الكمومية بموجة ذات شكل افتراضي غير معين وتمتد على كامل الفضاء ندعوها بدالة الموجة. قياسات الجسم في هذه الحالة تتضمن موضعه وعزمه. فلو أخذت دالة الموجة سعة عالية جدا في موضع (س) وكانت قيمها معدومة (صفر) في كل الأماكن الأخرى فهذا يعتبر حالة خاصة للموضع : يتحدد بها موقع الجسيم بدقة. في الوقت ذاته يجب ألا ننسى أن هذا يتضمن عدم القدرة إطلاقا على تحديد قيمة العزم حسب مبدأ الارتياب. لكن في الحقيقة لا توجد مثل هذه الحالات الخاصة للخواص المقيسة لكن تدخلنا بعملية قياس أي من الخواص يحول تابع موجته من شكلها الأصلي إلى حالة خاصة لهذه الخاصة وهذا ما يدعى بانهيار الموجة.

 

لوصف الأمر بشكل أكثر دقة فلنفترض جسيما كموميا وحيدا من وجهة نظر كلاسيكية يلزمنا تحديد موضع وسرعة الجسيم أما النظرية الكمومية بالصياغة الموجية لشرودنغر قتعتبر ألا وجود لمثل هذا الخواص المقيسة مثل : الموضع، العزم، الطاقة فكل موضع متاح للجسيم هو موقع محتمل وكل قيمة متاحة للطاقة هي قيمة ممكنة أيضا، والاختلافات بين قيمة وأخرى هي اختلافات في الاحتمالات. حيث يكون لهذه الدالة في كل موقع(س) قيمة معينة () تدعى سعة وجود الجسيم في الموضع (س)، فيكون احتمال وجود الجسيم في الموقع (س) هو ببساطة مربع سعة وجود الجسيم في الموقع (س). اما عن حالات اندفاع الجسيم فسنضطر هنا إلى اجراء تحليل توافقي لدالة الموجة ومجموعة توافقيات هذه الموجة يمثل الحالات الممكنة لاندفاعات الجسيم وبهذا نحصل على دالة موجية للاندفاع ضمن فضاء افتراضي للاندفاعات تكون غالبا بشكل أمواج اما شديد التراص مما يدل على حالة شديدة الاندفاع أو قليل التراص وهذا يمثل حالات قليلة الاندفاع.

 

نبذة تاريخية

طرح عالم الفيزياء الألماني ماكس بلانك في 1900م فكرة الكمات لتفسير طيف الضوء المنبعث من أجسام ساخنة بعينها. وفي 1905م قام عالم الفيزياء الألماني المولد ألبرت أينشتاين بتوسيع نطاق فكرة بلانك، وذلك لتفسير الظاهرة المسماة بالتأثير الكهروضوئي. وبذلك برهن أينشتاين على أن الضوء يتكون من جسيمات من الطاقة لها خواص موجية. واقترح نيلز بور، عالم الفيزياء الدنماركي، نظرية التركيب الإلكتروني للذرة في عام 1913م، وأوضح كذلك كيف تشع الذرات الضوء. ويطلق العلماء على عمل بور نظرية الكم للتمييز بينه وبين النسق الأوسع نطاقاً لميكانيكا الكم.

 

طرح عالم الفيزياء الفرنسي لويس دو بروغلي فكرة موجات المادة في سنة 1924م. وقام عالما الفيزياء النمساوي إيرفين شرودينجر والألماني هيسينبرج، كل منهما مستقلاً عن الآخر، بتطوير أشكال ميكانيكا الكم في منتصف العشرينيات من القرن العشرين. وتم منذ ذلك الحين توحيد تلك الأشكال في نسق واحد وتطبيقها على العديد من المجالات العلمية، بما في ذلك الكيمياء وعلم الأحياء الجزيئية. وفيزياء الأجسام الصلبة.